Saturday, November 17, 2007

وعاظ السلاطين

وعاظ السلاطين


وهناك استسلام فكري وضعف ذهني ، وجهل بحقيقة العلم لدى الكثير من الذين يمتطون صهوة المنابر ، وكراسي الوعظ المنقوشة بعبارات غابرة ، وأسباب ذلك هو استحكام الموروث القديم في عقولهم ، واعتبار هذا الموروث له قدسية لا يمكن المساس بها أو الاقتراب منها
فتصبح هذه العقيدة كالجبل الراسي الذي لا يتحرك بفعل أي قوة مهما كانت ، فتشل هذه العقيدة حركة التفكير لديهم ، حتى يصاب هؤلاء بالفساد الفكري فيعيشون بلا ميزان فكري يموج فيه الجنون بالخوارق والمعجزات .

ويعود أسباب ذلك إلى الوعاظ الذين يمارسون صناعة التخويف والتهويل والبكاء المتصنع ، ويستشهدون لهم بنصوص تصف أهوال يوم القيامة المعدة لأهل الآثام والخروج عن طاعة الوعاظ ، حتى أنك تجد أحد الوعاظ وكأنه وحش كاسر متطبع بطابع العصبية والعنف ، أذا استمعت إليه كأنك أمام وحش مفترس جائع ، فلا يملك العوام الفاغرة أفواههم إلا الانصياع والطاعة ، فهؤلاء في الحقيقة بمواعظهم يفترسون عقول البشر ويشككون في مقدرتهم العقلية ، وعدم التعدي على حرمات النص فيقف هؤلاء البسطاء وجلين هيابين أمام هذه النصوص لا يستطيعون إعمال عقولهم أمامها سوى الانصياع والاستسلام .

إن هذه الجماعات الواعظة الناطقة باسم جماعات متخفية تحمل فكر الإرهاب والتطرف يجب أن يحاسبوا ويحاكموا ، وتسلط عليهم رقاب القانون ، وتطاردهم عصى العصيان ، وأخذهم بشدة ، لأنهم إن تمكنوا سيثبون على عنق كل مخالف ليقتلوه ويسلبوه لأن ذلك يقربهم إلى الله والفوز بالجنة ، لا نعني بذلك أن الدين يقف حجر عثرة أمام التطور وأنه مناف للروح الإنسانية – بل على العكس من ذلك – فالدين يرفع من العقل ويقدسه ويسعى إلى تطويره وإعماله ، ولكن المشكلة في هؤلاء الوعاظ الحاكمين باسمه ، القائمين على شأنه ، المعتقدين أنهم خلفاء الله في أرضه ، فقد ترك الساحة مستباحة لهم يعبثون بقدسية هذا الدين ويتحدثون باسمه .

ويروجون لأفكارهم الخاصة العقيمة لتمكين أنفسهم ، فهم يحاولون إجهاض حقوق المرأة ، وتعريتها من حقوقها الإنسانية ، ومحاولة إقصائها من شتى ميادين الحياة ، ولا ننسى أنهم بأفعلهم هذه أضروا بالمرأة ، وجعلوها لقمة سائغة في أنياب الذئاب ، يتلاقفونها ، ورمى بها القدر بسبب تصرفاتهم وأهوائهم ، إلى أن يعبث بها القدر ويرميها في أحضان الرجال ، وأن يكون طريق الدعارة هو السبيل الوحيد الذي تقتات منه . وأنتم يامن تزعمون أنكم أعلم الناس بالشريعة وأنتم أبعد ماتكونون عنه وعن مبادئه ، لقد تخليتم عن المرأة وعن الشعب ولم تدافعوا عن عن حقوقهم ، بل دافعتم عن حقوقكم ، وعملتم من أجل أهدافكم . فاستغنيتم بأموال الشعب ، وجعلتم الفتات لغيركم فنمتم ممتلئين البطون وغيركم يتضور جوعاً . وتستأنسون حين ترون المرأة على هذه الحال لتستغلونها وفق أهدافكم الخفية .

لقد تمكنتم من نشر الفكر الإرهابي من خلال المنبر وأعطيتم لأنفسكم الصلاحية أن تتكلموا كيف ومتى شئتم دون حسيب أو رقيب ، لا بد أن تكون وراؤهم أياد خفية ناعمة تحركهم كالدمى . حين أدرك هؤلاء المتخفيون أهمية الوعظ ومدى تأثيره في نفوس العامة وكيف يهيج العامة تارة ، وينسيهم تارة أخرى ، فكروا في كيفية استحواذهم ولملمة شملهم . وخصوصاً أن هؤلاء لديهم قابلية على بيع ذممهم ، فما كان من الحكام إلا أن قربوا الوعاظ وتظاهروا بالحب لهم ، وأن لهم فضلاً ومكانة تختلف عن بقية الناس ، فاستأنس الوعاظ بذلك ، وانتفخت أوداجهم ، ورافعوا هاماتهم ، ولم ينس الحكام أن يجزلوا لهم بالعطاء الوفير، والخير العميم لتستطيب بذلك نفوسهم ، ويزيد ولاؤهم ، وتعلوا مكانتهم ، ويسكتوا أفواههم ، وليملوا عليهم مايريدونه منهم لأنها الوسيلة النافذة على عقول العوام من خلال هؤلاء الوعاظ . وكما هو الحال في مملكة البحرين حيث تحالف هؤلاء الوعاظ مع وزير الديوان الملكي لإحاكة المؤامرات ضد الشعب ومن ينادي بحقوق المرأة .

لقد أصبح هؤلاء وعاظا للسلاطين يسيرونهم كيف يريدون ، وكأننا نعيش في العهد العباسي الذي سخر السلاطين وعاظهم لتخدير الشعوب ، وتوجيههم لصالحهم ، فنشروا بذلك الفتاوى السلطوية التي تخدم مصالحهم ، وفتاوى مطاطية يكيفها الحكام كيف شاءوا ، فأفسدوا بذلك القضاء ، وسقطت أقنعتهم أمام العامة ، فلم يعدوا يثقون فيهم ، أو يعيروا لهم حساب ، بل كانت فتاواهم هي من سيرت لهم أن يقبضوا أيديهم على أموال الشعب ، وهم السبب قي البذخ الذي ينعم به الحكام وأن يكونوا في هذه الرفاهية التي أظلمت الناس وجوعتهم ، فيأتي في زماننا من ينتهج منهج العباسيين في أمورهم .

لقد وجد وعاظ السلاطين لهذه الوظيفة طريقا سهلا للوصول الى لقمتهم دون كد وتعب وهم الذين لا يملكون من رصيد الثقافة شيئا سوى إطالة اللسان ، واستخدام العبارات الرنانة الطنانة وتوجيه الناس إلى الطريق الذي يبتغون .

لقد باع هؤلاء ضمائرهم ودينهم وقيمهم لاجل حفنة من متاع الدنيا ، وكبلوا العقول وتحولت أفكارهم وكلماتهم الى إسار يخنق الأفكار ويلجمها . وتغلقها عن الانطلاق إلى آفاق التفكير الرحب التي يفتحها العلم ، فأصبح المستمع سجين الكلمات التي يطلقها الوعاظ . يتلقاها دون وعي وتفكير وكأنه يتعاطى المستمع حبوب الأنس المخدرة وأدمن عليها ودون أن يعي أن هذه جرعات مخدره قد يدمن عليها من حيث لا يشعر ولا يعلم .

إن وعاظ السلاطين هم في الحقيقة وباء على المجتمع ، وليس لهم قدر عندنا ، وأن الشعب لا يصغي لهم ولا إلى وعظهم .. فلا تفرحوا بمؤامراتكم مع وزير الديوان الملكي الذي لن تنفعوه أبداً .

فيا وعاظ السلاطين ممن باع ضميره لأجل أن يمتلك طعاماً أو مضغة علك من الدنيا ، أين ضمائركم ؟ أين عقولكم التي تعشعش عليها شياطين الأنس والجن ؟ والتي باتت تأكل الأرضة منها وتقتات ، وبسببكم ومكركم عطلتم الفكر عن التأمل والإبداع ، وغرستم الجهل والعصبية المقيتة في نفوسكم . ولا تنسوا أن الجيل القادم ، وخصوصاً المرأة التي تبحث عن كرامتها وإنصافها من المجتمع السادر في غيابات الجهل ، سيكون أكثر حقداً عليكم بسبب ما تنسجونه من خيال وافتراءات وحكايات من نسج الخيال يصعب على العقل تصديقها ، وذلك لإضفاء القداسة والحجة لتقوية موقف معين ، ليكون الناس أسرى فتاويكم . ولكن لتعلموا في نهاية المطاف أن الناس لن تصدقكم بأقاويلكم الكاذبة التي تشربت نفوسكم بها ، فقد سقطت أقنعتكم وبان المستور ، وتعريتم فبان سوءاتكم أمام الناس وظهر وجهكم الحقيقي ، وبرزت أنيابكم ومخالبكم ، وبان وجهكم الإرهابي .فيا سعادة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة أنت المسئول الأول عما يحدث من مناورات تكيد لهذا الشعب ، والظلم الواقع عليه ، ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعلم الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ..) .




غادة جمشير
البحرين
15/ 11/ 2007

No comments: