الأربعاء 25 نوفمبر 2009م
الصمتُ لا يحمي
بقلم: زهراء مرادي
في طريقٍ جبليٍ منعزلٍ .. بعيدًا عن مسامع وأنظار العالم وعن وسائل الإعلام .. وفي هذا اليوم تحديدًا .. في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 1960م تمّ اغتيالُ الأخواتِ الثلاث مينيرفا وباتريا وتريسا ميرابال على يدِ الشرطةِ السرّيةِ لديكتاتوِر الدومينيكان (رافاييل ليونداس تروخيو). اختارت الأخواتُ الثلاثُ طريقًا شاقًا وصعبًا قلّما تختاره نساءٌ شاباتٌ في مقتبلِ أعمارهنّ .. طريقَ الكفاحِ المسلّحِ ضدّ حكمٍ دمويٍ طاغٍ امتدّت سنواته أكثر من ثلاثةِ عقود (1930 – 1961م). تمّ القضاءُ عليهنّ بكلّ وحشيةٍ وبكلّ صمتٍ، وكان ممكنًا لهذا الصمتِ أن يدومَ لولا حراك أختهنّ الرابعة !! فقد نقلت معاناةَ البطلاتِ الثلاث إلى العالم، وشاءت الأقدارُ ألا يستمرّ الديكتاتورُ أكثر من عامٍ آخر بعد جريمته الدمويةِ بحقّ الأخواتِ ميرابال.
الصمتُ لا يحمي
بقلم: زهراء مرادي
في طريقٍ جبليٍ منعزلٍ .. بعيدًا عن مسامع وأنظار العالم وعن وسائل الإعلام .. وفي هذا اليوم تحديدًا .. في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 1960م تمّ اغتيالُ الأخواتِ الثلاث مينيرفا وباتريا وتريسا ميرابال على يدِ الشرطةِ السرّيةِ لديكتاتوِر الدومينيكان (رافاييل ليونداس تروخيو). اختارت الأخواتُ الثلاثُ طريقًا شاقًا وصعبًا قلّما تختاره نساءٌ شاباتٌ في مقتبلِ أعمارهنّ .. طريقَ الكفاحِ المسلّحِ ضدّ حكمٍ دمويٍ طاغٍ امتدّت سنواته أكثر من ثلاثةِ عقود (1930 – 1961م). تمّ القضاءُ عليهنّ بكلّ وحشيةٍ وبكلّ صمتٍ، وكان ممكنًا لهذا الصمتِ أن يدومَ لولا حراك أختهنّ الرابعة !! فقد نقلت معاناةَ البطلاتِ الثلاث إلى العالم، وشاءت الأقدارُ ألا يستمرّ الديكتاتورُ أكثر من عامٍ آخر بعد جريمته الدمويةِ بحقّ الأخواتِ ميرابال.
اختارت الجمعيةُ العامةُ للأممِ المتحدة يومَ 25 نوفمبر من كلَّ عامٍ يومًا دوليًا للقضاءِ على العنفِ ضد المرأة، وعليه تتحرّكُ المنظماتُ الحكوميةُ وغيرُ الحكومية ونشطاءُ حقوقِ الإنسانِ في كافّةِ دولِ العالمِ لإحياءِ هذا اليوم، والعملِ على الحدِّ من دوافع العنف، وتغييرِ بعضِ العواملِ المساعدةِ له. وطوال السنواتِ الماضية، لا ينكر المراقبون حدوثَ تغييراتٍ وتطوّراتٍ على المستوى التشريعي في عددٍ كبيرٍ من دولِ العالم، إلا أنّه على الصعيدِ العملي، فإنّ العنفَ (ضد النساءِ تحديدًا) ما زال يُمارس ويزيد ويتنوّع في معظمِ بقاعِ الدنيا. لنعترف أنّ البشريةَ قد فشلت في الحدِّ من ظاهرةِ العنفِ ضدّ النساء!! فمازالت امرأةٌ واحدةٌ من بين ثلاثٍ يتعرّضن للعنفِ بكافّةِ صوره .. من اغتصابٍ، واتجارٍ، وتحرّشٍ جنسي، وسفاحٍ بين الأقارب، وضربٍ، وقتلٍ، وانتهاكاتٍ لا حصر لها. وما زال 70% من فقراءِ العالمِ من النساءِ والأطفال، ومازالت الكثيرُ من المجتمعاتِ تحرّم أو تقيّد حقوقَ المرأةِ في التعليم ... وهكذا. ولا تشذّ الدولُ العربيةُ والإسلامية من هذا الوضع، فالمعاملةُ غير اللائقة بالمرأة تُمارس في مجتمعاتنا، وإن كانت بعضها - ولفترةٍ ليست بالقصيرة - تتظاهر بالعكس، وكأنّ الدنيا بألفِ خيرٍ لدينا!! هناك التزويجُ القسري، والختانُ، والحرمانُ من الميراثِ، وجرائمُ الشرفِ، وغير ذلك من عاداتٍ وتقاليدٍ جاهليةٍ بعيدةٍ عن روحِ الإسلامِ وتعاليمه.
إن أسبابَ العنفِ عديدة، ولكنّها جميعًا غير مبرّرة، فالمحلّلون يرون أنّه كلّما زادت وتيرةُ الصراعاتِ في أيّ مجتمع، وكلّما اشتدت الضغوطاتُ على الأسرة بصفةٍ عامّة وعلى الرجالِ على وجهِ الخصوص، كلّما ازدادَ العنفُ ضدّ الحلقةِ الأضعفِ في الأسرةِ، وهي المرأة. كما أنّ افتقارنا إلى تشريعاتٍ تحدّد حقوقَ وواجباتِ الأطرافِ المتعدّدةِ في الأسرة، وعدمَ وجودِ نصوصٍ تعاقبُ المعنِّفين، أو وجودَها بثغراتٍ قانونيةٍ يتمكّن من خلالها هؤلاء من الانفلاتِ من العقوبةِ والظفرِ بجريمتهم ... كلّ ذلك يساهم في زيادةِ العنف. وممّا يزيدُ الطين بلّة موروثاتنا الاجتماعية الخاطئة، وتحديدًا في مجتمعاتنا الشرقية؛ حيث الخوف من الفضيحة، والقيل والقال، وكثرة الكلام، والنظرة الدونية للمرأةِ التي تكشفُ أسرارَ بيتها، والخشية من نظرةِ المجتمعِ في حالِ وقوعِ الطلاق، والاعتقاد السائد بأنّ المرأةَ عليها أن تتحمّل وتصبر؛ لتحمي أطفالها من عواقبِ التفكّكِ الأسري، والتربية الخاطئة التي تخوّلُ الأولادَ صلاحياتِ ضربِ البنتِ وتأديبها
كثيرةٌ هي المؤسسات المعنية بتناول هذا الملف والحدّ منه ومعالجته، ولعلّ من أبرزها وزارةَ التربيةِ والتعليمِ، ووزارةَ الإعلامِ، والعدلَ، والصحةَ، والداخليةَ ... الخ، إضافةً إلى مؤسساتِ المجتمعِ المدني. إنّ وزارةَ التربيةِ والتعليمِ تحديدًا لها دورٌ كبيرٌ لا ينبغي إغفاله أبدًا؛ فللمعلّمين وللمربين أثرٌ كبيرٌ على شريحةِ الطلابِ وتوعيتهم بما لهم وما عليهم، وإرشادهم إلى ما ينبغي عمله في حالِ وجودِ عنفٍ أسريٍ منذ الصغر. وينبغي أن تكون للمؤسساتِ الدينيةِ أيضًا رسالتها في هذا المجال، فالإسلامُ كرّم الإنسانَ رجلاً كان أم امرأة، وجعلَ النساءَ شقائقَ للرجال، واستوصى الرسولُ (صلى اللهُ عليه وآله وسلّم) بالنساءِ خيرًا، كما أنّ نصوصَنا الدينية حدّدت ملامح العلاقاتِ في الأسرةِ كما لم يفعل أيّ دينٍ أو تشريعٍ آخر. كلّ ذلك لا ينبغي إغفاله أو التغافلُ عنه ونحن نتناولُ مأساةً إنسانيةً بهذا الحجم. فالدينُ شيءٌ وممارساتُ المسلمين شيءٌ آخر، فلا يصحّ أن تكون خشيتهم من تناولِ هذا الموضوع من منطلقِ الخوفِ على هذا الدينِ وسمعته.
وللأسف الشديد، مازالَ البعضُ في مجتمعاتنا ينظرُ بعينِ الريبةِ والشكّ نحو النساء اللاتي يتناولن هذا الموضوع حينًا، وبعينِ الاستهجانِ والاستنكارِ حينًا آخر، وربّما بعينِ السخرية، ولكن كلّ ذلك لا ينبغي أن يحدّ من حماسِ النشطاء والمهتمين بحقوقِ الإنسان كلّ من موقعه في معالجة العنف الأسري والسيطرة عليه. وفي الختام، نؤكّد على أنّه ما من أحدٍ يستطيعُ مساعدةَ المرأةِ إن لم تبدأ هي في مساعدةِ نفسها. يقولُ أحدُ الباحثين الفرنسيين إنّه: "ينبغي على النّساء اللواتي يعانين ... أن يفهمن أنّ عذابهنّ لا ينبعُ من قدرٍ محتومٍ". فالصمتُ لم يحمِ أحدًا قطّ، ولن يحميك إن لم تُسْمِعي العالمَ من حولكِ صوتكِ ومعاناتكِ!!
No comments:
Post a Comment